07 - 05 - 2025

صباحيات | رؤية دقيقة للموقف المصري

صباحيات | رؤية دقيقة للموقف المصري

الحديث الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مع أميرة أورون، سفيرة إسرائيل السابقة في القاهرة، على قدر كبير من الأهمية وجاء متزامناً مع مقالة لوزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي نشرتها صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، والحوار والمقالة يؤكدان صمود المسار الذي اتخذته مصر منذ مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات في عام 1977، في مواجهة التحديات الإقليمية وهو المسار الذي يكشف إمكانية نشوء نمط جديد للعلاقات بين دول المنطقة قائم على نهج التسوية السياسية للصراع. 

الجديد في حديث أورون أنه اتسم برؤية واقعية وتقييم دقيق لحقيقة الموقف المصري الرسمي والشعبي من معاهدة السلام. وخلافاً لسفراء سابقين ودبلوماسيين خدموا في مصر لم تستخدم السفيرة عبارات مثل "السلام البارد"، وهي أكثر تفهما لحقيقة موقف المصريين، ولم تثر ضجة بخصوص موقفهم من تطبيع العلاقات مع إسرائيل ولا تأييدهم للقضية الفلسطينية، بل رأت أن ذلك موقف طبيعي ومتوقع، كما أنها لم تبالغ في التحذير من الخطر على السلام بين البلدين، بل أشارت إلى أن اتفاقية السلام مع مصر متينة وقوية وليست في خطر، وأن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تتعزز بفضل قيادة البلدين، والأهم، أنها قدمت تقييما دقيقا للعلاقات مستندا إلى المصالح المتبادلة التي يمكن تعزيزها إذا توقفت الحرب.

لكن الأهم في الحوار هو ما قالته عن مشاعر المصريين، إذ قالت: "من المستحيل تجاهل حقيقة أن المشاعر العامة في مصر ضدنا وتعادينا، وسيستمر هذا طالما هدير المدافع لم يتوقف"، لكنا أوضحت أن هذه المشاعر لا تشكل خطراً على اتفاق السلام وهذه نقطة جديدة تماماً في الخطاب الإسرائيلي نجاه مصر، بل رأت أن اتفاق السلام هذا ينطوي على الكثير من الإمكانات، والتي تكشف بيانات خاصة بالسياحة أو الغاز. لقد نبهت أورون إلى أن "صورة إسرائيل في مصر صعبة للغاية" لكنها أبدت تفهما لذلك استناداً إلى مواقف تعرضت لها بعد هجوم السابع من أكتوبر وقالت "أغلقت الأبواب في وجهي، وخاصة في وسائل الإعلام في مصر"، التي تركز على ما ترتكبه إسرائيل في غزة ومشاهد القتل، لاسيما للنساء والأطفال وتدمير المنازل والتهجير والحصار والتجويع. وترى أنه سيتعين على إسرائيل بناء الثقة ومحاولة تقريب الجمهور المصري لإسرائيل مرة أخرى. هكذا تتصور السفيرة أن الأمر سهل ولا يتطلب سوى حملة علاقات عامة ودبلوماسية شعبية، رغم معارضتها الواضحة لسياسة رئيس حكومتها وما يترتب عليها من نتائج. لكن هل المشكلة حقا في نتنياهو؟ وماذا عن القوى الأكثر تطرفاً في السياسة الإسرائيلية.

أميرة أورون التي كانت تزور مصر بشكل متكرر عندما كانت مديرة للإعلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية والتي كانت تدلي بتصريحات لوسائل إعلام عربية تعرف جيدا حجم مصر وقدرها وقيمتها، هي قد تكون محسوبة في مواقفها على قوى اليسار وأقرب إلى معسكره من مسؤولين آخرين يركزون على تطبيع العلاقات وعلى العلاقات الرسمية مع الحكومات ويرون أن هذا يكفي. والحقيقة أن وزارة الخارجية من خلال برنامج "تواصل" الذي بدأ عندما كانت تشغل منصبها في وزارة الخارجية كان له تأثير على أجيال جديدة في العالم العربي، لكن هذه الجهود مهددة بالفعل بسبب سياسات نتنياهو وبسبب سلوك الجنود الإسرائيليين في غزة وفي جنوب لبنان الذين روجوا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للجرائم التي ارتكبوها ضد الفلسطينيين والتي تكشف مدى كراهيتهم وعدائهم للعرب، هذه الفيديوهات لم تشوه صورة إسرائيل في مصر وفي العالم العربي وحده، وإنما في العالم كله والأخطر لدى الرأي العام الأمريكي. ربما الأولى بالسفيرة أن تتعامل مع هذه المشكلة داخل إسرائيل.

في السابق، كان الساسة الإسرائيليون أكثر حصافة عندما فرضوا حظرا سياسياً على حركة كاخ وعلى أتباع مئير كاهانا زعيمها وزعيم المتطرفين من المستوطنين والمتدينين الذين أصبحوا الآن برعاية نتنياهو يشكلون قوة رئيسية في حكومته الائتلافية. هذا التيار المتطرف في السياسة الإسرائيلية هو الخطر الأكبر على المستقبل، مستقبل إسرائيل ومستقبل السلام والتعايش في المنطقة. نود أن نستمع إلى أصوات في إسرائيل كانت تعارض هذه القوى المتطرفة، الآن لا نستمع إلا لأصوات تبرر لنتنياهو وحكومته ما يرتكبونه من جرائم في غزة وفي لبنان، وأصوات أخرى من ساسة أقل تشددا يلومونه على أنه لم يوجه ضربة أقوى لإيران، وآخرون يتوعدون مصر ويهددون مستقبل السلام معها. 

أين ذهبت الأصوات والقوى التي كانت تلجم هذه التيارات، وما هو شكل المستقبل الذي تنتظره السفيرة في ظل التطرف الذي سيولد حتما تطرفاً مضاداً؟
----------------------------------
بقلم: أشرف راضي

مقالات اخرى للكاتب

رسائل انتخابات الصحفيين وأولويات مجلس النقابة في الفترة القادمة